قرأت العديد من الكتب للباحث فاضل الربيعي مثل كتاب (فلسطين المتخيلة)، لكن كتابه (القدس ليست أورشليم) الصادر في 2009 يظهر مضمونه من عنوانه، حيث يؤكد بالأدلة أن القدس المذكورة في التوراة هو اسم جبل في اليمن وليست القدس العربية الإسلامية الحالية، لأن اسم القدس الحالية هو اسم حديث بعد العهدة العمرية أي في السنة 15 هجرية، وشاع استخدامه في العصر الأموي، والقدس العربية كانت تعرف باسم إيلياء، نسبة إلى الإله العربي (ايل-ءيل)، والقدس مدينة فوق هضبتين صغيرتين وليست فوق جبل، في حين أن التوراة تذكر نصاً: جبل قدس.
والمؤكد يقول الباحث: إن التوراة لا تتضمن أي شيء يخص فلسطين أو يلمح لها، وكل ما يزعم عن وجود وصف لأرضها في التوراة، ليست إلا أكاذيب مروجة وخدعاً استعمارية، وقد بلغ التلاعب ذروته حينما روجوا لأكذوبة أن الفلسطينيين دخلوا متسللين إلى فلسطين عبر جزيرة كريت اليونانية، والمحزن في الأمر ان الباحثين العرب راحوا يرددون هذه الأكذوبة دون التحقق والتدقيق، فالقدس العربية الإسلامية لم يكن اسمها قط أورشليم.
الترويج الزائف لأسطورة أن فلسطين أرض الميعاد اليهودي، في حين أن أرض التوراة في اليمن القديم، وهذه الحقيقة صادمة ليست لليهود المتعصبين فحسب، بل وأيضا للوجدان الفلسطيني والعربي والإسلامي، مادامت الفكرة الرائجة التي تدّعي أن اسم القدس ورد في التوراة، هي فكرة مغرية في الثقافة الروحية نظراً لارتباطها بالجانب العاطفي لا التاريخي، لكن القول بإن القدس العربية لم يرد ذكرها في التوراة لا ينبغي أن يُفهم منه نفياً لقداسة المدينة، أو تقليلاً من قدسيتها بالنسبة للمسلمين والمسيحيين، بل العكس تماماً، فمثل هذا النفي يحطم أسطورة زائفة كاذبة ارتكز عليها المحتل الصهيوني، وإن الدفاع عن القدس الحالية يتطلب معرفة الحقيقة، إن قدسنا العربية الإسلامية لم يكن اسمها أورشليم قط.
التوراة تميّز بدقة بين مكانين منفصلين لا صلة بينهما، ولا صلة لهما بفلسطين، الأول يدعى قدش–قدس بفتح حرفي القاف والدال، وهو جبل شامخ مقدس، أما الاسم الآخر أورشليم، فاسم مدينة من المدن، وهذا يعني أن شعب بني اسرائيل القديم وهو من الشعوب العربية البائدة عَرف مدينة باسم اورشليم، كما عرف مكاناً آخر باسم قَدَش- قَدَس، وهي الأرض الممتدة من وادي الرمة حتى جنوب مدينة تعز اليمنية، وذلك ما يفسّر وجود أسماء مدن يمنية، وأسماء شعوب عربية بائدة في قصص التوراة، مثل عدن وحضرموت ووادي الرمة، ولأن النص التوراتي يتحدث عن جبل شامخ وليس عن مدينة، فإن من غير المنطقي مطابقة القدس العربية التاريخية بقدس- قدس الوارد ذكرها في التوراة، فالقدس العربية ليست جبلاً ولا تقع فوق جبل، بل فوق هضبتين مرتفعتين.
كما تتحدث التوراة عن سقوط أورشليم بعد أن هاجمها الملك داود من جبل يدعى صهيون، وأطلق داود اسمه على الجبل فصار اسمه مدينة داود، وبالطبع لا يوجد في فلسطين جبل يدعى صهيون، بل إن جبل صهيون جبل عربي شامخ من جبال اليمن، وقد تغنى به الشعر الجاهلي وذكره بالارتباط بمنطقة نجران.
إن الملك داود استولى على مدينة تدعى بيت بوس، والتي كان سكانها على دين اليهودية، لكنها كانت أورشليم، أي مدينة المسالمين الآمنين ودار سلام، ويؤكد وجودها قرب جبل صهيون، والقدس العربية لا تقع قرب جبل صهيون، ولم تكن تدعى بيت بوس أو أورشليم، والمعركة وقعت في بيت بوس اليمنية قرب جبل صهيون، وهي مكان جبلي حصين يصل سلسلة جبال السّر بنجران في سرو حمير إلى شرق صنعاء، وقد وصفه الهمذاني بدقة وإسهاب في كتابه (صفة جزيرة العرب)، كما جاء مطابقاً لما ورد في التوراة، وأيضاً وصفه المصريون القدماء في (قوائم الكرنك)، فالمخا هو ساحل اليمن العظيم، وحَضر من أشهر وديانه، وصور وادي في اليمن، وليست صور لبنان، وهو من الوديان العظيمة التي وصل إليها المصريون، واستولوا على منطقة عنس، والنجب المذكورة في التوراة حوروها إلى النقب، وهذا أمر استعماري متعمد، على الرغم من أن صحراء النقب الفلسطينية لا تتصل بالقدس العربية، بينما المقصود في التوراة النجب، وهي سلسلة الجبال الممتدة من تهامة ونجران حتى الجوف، حيث يقع جبل يام ووادي الملح كما في نص يشوع التوراتي.
إن التوراة لم تذكر فلسطين قط، ولم تلمح إلى الفلسطينيين، وكل ما يزعمونه من أجل تبرير عملية تهويد القدس العربية واحتلالهم أرض فلسطين.
إن الربيعي يقوم بإعادة بناء الرواية التوراتية ليؤكد أن القدس ليست أورشليم العصر الروماني، وبأن يهوذا والسامرة أكذوبة، بل ويثبت بالأدلة أن المدن والقبائل المذكورة في التوراة كلها في اليمن، وقد تم تشريد شعب بأكمله وسرقة أرضه، بالتفنن في الكذبة والترويج لها، وعلينا كشف التزوير وإظهار الحقائق، من أجل تثبيت الحق التاريخي للشعب الفلسطيني في أرضه.
---------------------------
بقلم: د. أنيسة فخرو
* سفيرة السلام والنوايا الحسنة
المنظمة الأوروبية للتنمية والسلام